مع نهاية كل عام دراسي وظهور نتائج الثانوية العامة، تتجدد الآمال، وتتطلع الأسر المصرية إلى مستقبل أبنائها، يحلمون بمقعد جامعي، وشهادة تفتح أبواب العمل والحياة.
لكن، في زاوية مظلمة من هذا المشهد، تتحرك كيانات خادعة، ترتدي عباءة العلم، وتنصب شِباكها للغافلين، لتوقعهم في فخ "الكيانات التعليمية الوهمية"؛ جامعات ومعاهد وأكاديميات تدّعي المعرفة وهي خالية من الاعتراف والاعتماد، لتتحول أحلام الأبناء إلى كوابيس، ودموع الفرح إلى مرارة الفقد والخيبة.
هذه الظاهرة ليست جديدة، لكنها تتفاقم كل عام، مستغلة الثغرات، وطموحات الطلاب، وجهل بعض الأسر. كيانات وهمية تُروّج لنفسها بإعلانات براقة، ووعود براقة بالتوظيف الدولي والاعتراف العالمي، وتُقدِّم نفسها كبدائل شرعية للنظام التعليمي الرسمي، بينما هي في حقيقتها "أوكازيون تعليمي مزيف"، لا يمنح سوى أوراق لا تساوي الحبر الذي كُتبت به.
تلك الجامعات والمعاهد الوهمية لا تخضع لرقابة وزارة التعليم العالي، ولا تدخل ضمن قوائم المجلس الأعلى للجامعات، لكنها تتخفى وراء مسميات براقة، وأحيانًا تحاكي أسماء جامعات عريقة، لتُضلّل العقول وتسرق الأموال والأحلام.
وقد تُزيِّن جرائمها بشعارات مثل "شراكة دولية"، أو "دراسة بنظام التعليم المفتوح"، أو "اعتراف أوروبي"، لكنها كيانات لا وجود لها في أي تصنيف أكاديمي رسمي داخل مصر أو خارجها.
الخطر الأكبر لا يكمن فقط في ضياع المال، بل في ضياع سنوات من عمر الطالب، يتخرج بعدها ليكتشف أن شهادته لا يُعتد بها في أي جهة حكومية، ولا يُسمح له بالتسجيل في أي نقابة مهنية، ولا يُعترف به في سوق العمل.
إنها مأساة معرفية، وضياع لجيل كان من المفترض أن يكون ركيزة المستقبل.
وهنا تظهر المسؤولية الكبرى للدولة والإعلام والمجتمع، إذ لا يكفي التحذير من هذه الكيانات، بل يجب اجتثاثها من جذورها.
وقد بدأت وزارة التعليم العالي، خلال السنوات الأخيرة، عبر لجان الضبطية القضائية، في رصد هذه المؤسسات، وملاحقتها قانونيًا، وإغلاق عشرات المقرات التي تبيع العلم الزائف.
كما أنشأت الوزارة بوابة إلكترونية رسمية تضم أسماء الجامعات والمعاهد المعتمدة، لكنها تحتاج لتوسيع الانتشار والتوعية المجتمعية الأوسع.
أما الإعلام، فعليه مسؤولية وطنية ومهنية في كشف هذه الكيانات، والتحقيق في أنشطتها، وعرض قصص الضحايا الذين سقطوا في شِباكها، لأن الصمت عن الجريمة يُسهم في اتساع رقعتها.
كما ينبغي إدراج ملف "التوجيه الأكاديمي السليم" ضمن المناهج التعليمية والإرشاد الأسري، حتى لا تظل الأسر رهائن لمعلومات مضللة وشهادات زائفة.
ويبقى السؤال الأهم: إلى متى سيبقى جيل من الشباب فريسة لأوهام المعرفة، وأكاذيب التعليم؟ إن حماية الطالب من هذه الكيانات هو واجب وطني، لا يقل أهمية عن محاربة الفساد أو الإرهاب، لأن تدمير العقول لا يقل خطرًا عن تدمير الأوطان.
الجامعات والمعاهد الوهمية ليست مجرد كيانات مخالفة للقانون، بل هي مشاريع لتزوير المستقبل، وتكريس الجهل المغلف بورق مطبوع.
ومن هنا، لا بد من إعلان حالة طوارئ وطنية في مواجهة هذا الخطر، حماية لحق كل طالب في تعليم حقيقي، وشهادة يعتد بها، ومستقبل لا يُبنى على الوهم.