حكم الاحتفال بالمولد النبوي في المذاهب الأربعة وآراء العلماء بين الإباحة والتحريم

مع اقتراب حلول شهر ربيع الأول من كل عام، يتجدد الجدل الفقهي حول حكم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، وهل هو سُنة محمودة أم بدعة محدثة؟ ويزداد التساؤل حول موقف المذاهب الأربعة من هذه المناسبة التي باتت جزءًا من التقاليد الإسلامية والشعبية في العالم العربي والإسلامي.
ويستعرض لكم موقع الأيام المصرية آراء الفقهاء المعاصرين وموقف المذاهب الفقهية الأربعة، إلى جانب ما صدر عن دار الإفتاء المصرية وهيئات دينية أخرى.
هل ورد الاحتفال بالمولد في المذاهب الأربعة؟
بحسب الدكتور فتحي الفقي، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، فإن المذاهب الأربعة لم تتطرق صراحة إلى مسألة الاحتفال بالمولد النبوي، لا إباحة ولا منعًا، ومن ثم، فإن الأمر متروك على أصل الإباحة، فيجوز الاحتفال أو تركه بحسب النية والمضمون.
رأي جمهور العلماء: الاحتفال جائز ومستحب
يرى جمهور العلماء من الشافعية والمالكية وبعض الأحناف أن الاحتفال بالمولد النبوي جائز، بل مستحب، إذا خلا من البدع والمحرمات، واستدلوا على ذلك بقول النبي ﷺ عن يوم الاثنين:"ذلك يوم ولدت فيه..."، وإضافة إلى ما اعتاده الناس من إطعام الطعام، قراءة القرآن، ومدح النبي، وكلها أعمال صالحة.

رأي المعارضين: بدعة لا أصل لها
وفي المقابل، يرى بعض العلماء، خصوصًا من التيار السلفي، أن الاحتفال بدعة محدثة، لم يفعلها النبي ﷺ ولا الصحابة، ويستدلون بحديث النبي: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد،" ويؤكد هذا الاتجاه أن العيدين الشرعيين في الإسلام هما عيد الفطر وعيد الأضحى فقط.
المذاهب الأربعة وتفصيلات الموقف
- الحنفية: لم يرد نص واضح، لكن أجازوا الاجتماعات للذكر والقرآن إن لم تتضمن محرمات.
- المالكية: يرون جواز الاحتفال، باعتبار الأصل في الأشياء الإباحة، ويعدّونه مظهرًا من مظاهر الفرح بمولد النبي ﷺ.
- الشافعية: أفتى كثير منهم بجواز الاحتفال، بل واستحبابه، خاصة إذا اقترن بأعمال صالحة.
- الحنابلة: يميل بعضهم إلى كراهة الاحتفال، ولكنهم لا يحرّمونه قطعًا، ويرون أن النية والمقصد تحددان الحكم.
الذكرى بين التصوف والسلفية
الطرق الصوفية في مصر والمغرب وغيرها، تحتفي بالمولد النبوي ضمن طقوس روحانية تشمل المدائح، الذكر، والموالد. في المقابل، ترفض المدارس السلفية هذا الاحتفال، وتراه بدعة محدثة لا أصل لها.

الأزهر ودار الإفتاء: الاحتفال تعظيم للنبي
أصدرت دار الإفتاء المصرية أكثر من فتوى تجيز الاحتفال بالمولد النبوي، واعتبرته من مظاهر محبة النبي وتعظيمه، داعية إلى إحياء سنته في هذا اليوم، دون مخالفات شرعية.
وأكدت في بيانها: "احتفلوا بمولد رسول الله ﷺ وأحيوا سنته ولا تلتفتوا إلى من يحرم ذلك."
متى بدأ الاحتفال بالمولد النبوي؟
تعود بداية الاحتفال بالمولد النبوي إلى الخليفة الفاطمي المعز لدين الله في مصر، في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي)، حيث أقيمت احتفالات دينية وشعبية كوسيلة للتقرب من الناس.
وتغير موقف الدولة الإسلامية من المولد عبر العصور؛ فمنعه الأيوبيون ثم أعاده المماليك، وبلغ أوجه في عهد محمد علي باشا مع الطرق الصوفية.
خلافات مذهبية وسياسية معاصرة
يتخذ الخلاف حول المولد النبوي أبعادًا سياسية أحيانًا، كما في حالة تنظيم الدولة الإسلامية الذي منع الاحتفال، مقابل الحوثيين في اليمن الذين أحيوا المولد بفاعليات موسعة، كما أن دعوة الخميني لتأسيس "أسبوع الوحدة الإسلامية" بين 12 و17 ربيع الأول، كانت للتقريب بين السنة والشيعة في الاحتفال بالمولد.
اقرأ ايضًا: موعد المولد النبوي 2025
موعد المولد النبوي الشريف 2025، وحكم الأحتفال به

رأي علماء كبار في التاريخ الإسلامي
- ابن حجر العسقلاني: وصفه بأنه "بدعة حسنة".
- جلال الدين السيوطي: قال إنه "بدعة حسنة يُثاب عليها صاحبها".
المولد النبوي بين الجواز والابتداع
رغم الخلاف الفقهي، تبقى النية والمضمون هما الفيصل في حكم الاحتفال بالمولد النبوي، فمن أحيى المناسبة بتلاوة القرآن، الصلاة على النبي، وسرد سيرته، فقد جمع بين المحبة والاتباع، أما من حولها إلى لهو وبدع، فقد خالف المقصود