الايام المصرية
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى

كأن الجرح الفلسطيني لا يكفيه نزفُه، حتى جاء من يسكب عليه ملح الخديعة بعمائم مستعارة، وأصوات رخوة، تخون التاريخ والدين والدم. 

بهذا الإحساس الجريح، خرج فضيلة الدكتور نظير محمد عياد، مفتي الجمهورية، ليصرخ بكلماتٍ تقطر وجعًا وكرامة، مدينًا بشدة الزيارة التي قام بها عدد من منتحلي الصفة من الأئمة الأوروبيين إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي، واصفًا المشهد بأنه "استثمار رخيص لعمائم مزيّفة" تسعى لتجميل وجهٍ لا يجيد سوى القتل.

"راقبتُ - ببالغ الأسف - تلك الزيارة المنكرة".. هكذا بدأ المفتي بيانه الذي لم يكن مجرد إدانة، بل شهادة أخلاقية في زمن تختلط فيه الأقنعة وتُشترى المواقف بثمنٍ بخس. 

تحدث المفتي بصوتٍ لا يخشى أن يكون واضحًا: هؤلاء الذين توشحوا بزيّ الدين، ووقفوا على أرضٍ لا تزال ترتجُّ من صرخات الأطفال في غزة، خانوا كل شيء، خانوا العدالة، وخانوا الضمير، وخانوا عمامة لم تكن يومًا تذكرة عبور نحو التطبيع ولا غطاءً لوجوه القتلة.

لم يكن المفتي يُطلق أحكامًا سياسية، بل كان يستنهض الضمائر، تساءل بألم:

"أيُّ حوارٍ هذا الذي يُدار على مائدة المحتل؟ وأيُّ تعايش هذا الذي يُبنى على أشلاء المظلومين؟"

تساؤلات تضع النقاط فوق الحروف، وتُعيد تعريف الكلمات التي أُفرغت من معناها، السلام الحقيقي لا يولد من رحم التطبيع، بل من عدالةٍ تعترف بالحق وتنحاز للمظلوم.

في زمنٍ أصبح فيه الدين أداة تزييف تُحمَل وتُباع، شدّد المفتي على أن ما حدث ليس سوى "مشهد شائن، يروّج لسلامٍ زائف، فوق ركام البيوت وجثث الأطفال"، وأن الهدف منه هو "صناعة واجهة إسلامية مخادعة، تخدم أهداف الاحتلال، وتُزيّف الوعي العام".

حديث المفتي لم يكن موجّهًا فقط لهؤلاء الذين زاروا إسرائيل، بل كان جرس إنذار لكل من يظن أن بإمكانه التلاعب بالوعي الجمعي للأمة عبر لبوسٍ دينيٍّ مزيّف.

لقد أضاء المفتي شمعة في زمن العتمة، شمعة تقول إن صوت الدم لا يُخرسه رداء، وإن الحق لا تُخفيه زيارات المجاملة ولا موائد الادعاء.

ما قاله مفتي الجمهورية لم يكن مجرد بيان رسمي، بل كان نصًا إنسانيًا يعيد الاعتبار للدين كصوت للعدل، لا كمظلّة للخداع، لقد رفع صوته من مصر، ليصل إلى كل مسلم غيور، وكل إنسان حرّ: إن التعايش الحقيقي لا يُبنى على جثث الأبرياء، وإن السلام لا يولد من رحم التواطؤ، وإن من يبيع ضميره بثمنٍ بخس، لا يملك أن يتحدث باسم الدين.

كما أن غزة، التي تئن تحت الحصار والنار، لا تحتاج إلى زيارة أئمة، بل إلى زيارة ضمير.

تم نسخ الرابط