في سابقة تعكس عمق الأزمة التي تمر بها إسرائيل، كشف استطلاع حديث عن أن نحو 75% من الإسرائيليين يفكرون في الهجرة من إسرائيل وهو ما يعرف بـ"الشتات العكسي".
وأكدت الدراسة أن نحو 73% من العمال الإسرائيليين أبدوا رغبتهم في مغادرة البلاد، إما بشكل دائم أو مؤقت، وهو أعلى معدل يُسجل منذ خمس سنوات، وبزيادة قدرها 18% عن العام الماضي.
يأتي هذا التطور في وقت تتفاقم فيه الأوضاع الأمنية والسياسية داخل إسرائيل، مع اقتراب الحرب على غزة من دخول عامها الثالث، وتنامي التهديدات الإقليمية، وعلى رأسها التصعيد مع إيران.
الاستطلاع، الذي أجرته منصة التوظيف الإسرائيلية "أول جوبز" وشمل 611 عاملاً إسرائيلياً فوق سن 22 عامًا، سلط الضوء على تحوّل جذري في دوافع التفكير في الهجرة.
ورغم استمرار الأسباب التقليدية مثل تحسين جودة الحياة (59%)، والرغبة في الخبرة الدولية (48%)، والطموح المهني (38%)، إلا أن عوامل جديدة برزت بقوة حسب ما افادت الدراسة أن:
- 30% أعربوا عن مخاوف أمنية تتعلق بالسلامة الشخصية.
- 24% أشاروا إلى شعورهم بعدم الاستقرار السياسي.
- 24% تحدثوا عن خيبة أمل من الدولة نفسها.
وفي تعليقها على هذه النتائج، قالت ليات بن توراه شوشان، نائبة رئيس شركة "أول جوبز" لشؤون التطوير المهني والتوظيف، إن "نظرة الموظفين الإسرائيليين للانتقال إلى الخارج لم تعد محكومة بالحسابات المهنية فقط، بل باتت ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالاعتبارات الأمنية والعاطفية والاقتصادية، في ظل ما يصفه كثيرون بانهيار العقد الاجتماعي".
الولايات المتحدة تصدرت قائمة الوجهات المفضلة، حيث أشار 44% من المشاركين إلى رغبتهم في الانتقال إليها، وبرزت نيويورك (17%)، ولوس أنجلوس (11%)، وميامي (8%) كأكثر المدن جذبًا.
وفي المقابل، شهدت أوروبا تراجعًا في الإقبال إلى 26% فقط، مقارنة بالأعوام السابقة، بسبب تنامي مشاعر القلق حيال ما يصفه الإسرائيليون بـ"تصاعد معاداة السامية" والتغيرات الديمغرافية في القارة.
ولم تحظَ وجهات مثل أستراليا ونيوزيلندا (6%)، والشرق الأقصى (8%)، وأفريقيا (1%) باهتمام واسع، بينما برزت دول قريبة مثل قبرص واليونان (11%) كخيارات مفضلة لأولئك الراغبين في مغادرة مؤقتة أو جزئية.
ورغم هذه النوايا الواضحة للهجرة، فإن 56% من المشاركين أقرّوا بأن الانتقال ليس عملية سهلة، مشيرين إلى تحديات تتعلق بالبيروقراطية، وتكاليف المعيشة، والاندماج الثقافي، الأمر الذي يجعل قرار المغادرة معقّدًا، وإن كان مغريًا.
يرى مراقبون أن هذا التوجه نحو "الشتات الجديد" يمثل انعكاسًا خطيرًا لحالة الانقسام والتشظي داخل المجتمع الإسرائيلي، في ظل تفكك الثقة بالدولة، واحتدام الأزمات الأمنية والسياسية والاقتصادية، مما يعيد إلى الأذهان تساؤلات جذرية حول مستقبل المشروع الصهيوني ذاته، وقدرته على الحفاظ على استقراره السكاني والوظيفي.
الظاهرة لا تقتصر على فئة دون أخرى، بل تشمل شرائح مختلفة من القوى العاملة، ما يُنذر بانعكاسات كارثية على سوق العمل الإسرائيلي، خاصة في القطاعات المتقدمة التي تعتمد على الكفاءات الشابة والمتعلمة.
في ظل هذا الواقع، يبدو أن إسرائيل تواجه موجة هجرة عكسية غير مسبوقة، قد تفتح فصلًا جديدًا في قصة الشتات ولكن هذه المرة من الداخل إلى الخارج.
سامي حسني