هل تندلع حرب بين الناتو وروسيا ؟، تصاعد التوتر بين روسيا وحلف الناتو على خلفية الحرب المستمرة في أوكرانيا يعيد إلى الواجهة مخاوف مواجهة عسكرية كبرى في أوروبا، وفي ظل تحركات عسكرية وتصريحات سياسية متباينة، يبقى السؤال الأساسي: هل تقترب القوى الكبرى من نزاع مباشر قد يغيّر موازين الأمن العالمي؟
في ظل استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا، والتصاعد المتبادل بين موسكو وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، عاد شبح المواجهة الكبرى ليخيّم من جديد على أوروبا والعالم، خاصة بعد التطورات الأخيرة التي أبرزها تقرير صحيفة فايننشال تايمز البريطانية. التقرير تناول حالة القلق المتزايد في دول الجناح الشرقي للناتو واستعداداتها المكثفة لاحتمال إقدام روسيا على اختبار دفاعات الحلف في أي وقت، وذلك في عهد إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الحالية.
الموقف الأوروبي: تشدد وتحسب للتصعيد
منذ بداية العملية العسكرية الروسية، تبنّى الأوروبيون موقفًا متشددًا رافضًا لهذه الحرب، وهو ما انعكس سلبًا على علاقات موسكو مع قوى أوروبية كبرى مثل ألمانيا وفرنسا.
ومع تصاعد المخاوف من توسّع العمليات الروسية خارج أوكرانيا، سارعت عدة دول مجاورة لروسيا – ومنها دول كانت جزءً من المنظومة السوفيتية سابقًا – إلى الاقتراب أكثر من الناتو، بل انضمت إليه بالفعل مثل فنلندا ودول البلطيق، وهو ما تعتبره موسكو تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي.
إدارة ترامب: رسائل مزدوجة وتصريحات لافتة
في هذا السياق، أشار تقرير فايننشال تايمز إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي حضر قمة الناتو الأخيرة في لاهاي، بعث برسائل مزدوجة؛ فقد طمأن حلفاءه بأنه «معهم حتى النهاية»، لكنه صدم العواصم الأوروبية أيضًا عندما لمح إلى أن المادة الخامسة من ميثاق الناتو – الخاصة بالدفاع المشترك – قد تكون مفتوحة للتفسير، هذا التردد أثار قلقًا واسعًا في شرق أوروبا، ودفع دولًا عديدة إلى تكثيف إنفاقها العسكري تحسبًا لأي طارئ، في ظل شعور متزايد بأن المظلة الأمنية الأميركية لم تعد صلبة كما كانت.
وفي تطور لافت، صرّح ترامب مؤخرًا بأن بلاده «قد تضطر» إلى إرسال المزيد من الأسلحة الدفاعية إلى أوكرانيا بعد إعلان موسكو سيطرتها على بلدتين في مقاطعتي سومي ودنيبروبتروفسك. وجاء هذا التصريح بعد أقل من أسبوع على إعلان وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) تعليق تسليم بعض صواريخ الدفاع الجوي والمدفعية دقيقة التوجيه إلى كييف، بسبب «مخاوف تتعلق بالاستخدام»، وفق تعبير مسؤولين أميركيين.
وفي خضم هذه التطورات، سيطرت روسيا أيضًا على منجم ليثيوم مهم في منطقة دونيتسك شرق أوكرانيا، ليكون أول منجم يقع بيدها منذ توقيع اتفاقية المعادن بين أمريكا وأوكرانيا، هذا يهدد تنفيذ الاتفاق الذي يمنح واشنطن حق الاستثمار لتقليل اعتمادها على الصين في هذا المورد الاستراتيجي.
وقد طلبت كييف ربط الاتفاق بدعم عسكري أميركي مباشر لحماية هذه الموارد، لكن إدارة ترامب رفضت حتى الآن، رغم خطر تقدم روسيا.
ورغم أن هذه السيطرة الروسية قد تُشكل دافعًا إضافيًا لأمريكا لتعزيز دعمها لكييف، لم يظهر بعد موقف عملي أميركي واضح.
ضغوط استراتيجية أكثر من احتمال حرب مباشرة
ورغم التصعيد العسكري والمناورات المتزايدة قرب الحدود الروسية، يرى أغلب الخبراء أن احتمال اندلاع حرب مباشرة بين روسيا والناتو يظل ضعيفًا جدًا. فالتاريخ – خصوصًا خلال الحرب الباردة – يظهر أن القوى الكبرى عادةً ما تكتفي بحروب غير مباشرة أو صراعات بالوكالة، لتجنب مواجهة شاملة قد تجر العالم نحو كارثة نووية.
لذلك، تبدو هذه التحركات الأوروبية والأميركية في جوهرها ضغوطًا استراتيجية تهدف إلى:
رفع تكلفة استمرار روسيا في حرب أوكرانيا، إضعاف موقف موسكو التفاوضي، وردعها عن التفكير في التوسع خارج أوكرانيا.
ومهما بلغ مستوى الدعم الأوروبي العسكري والمالي لأوكرانيا، يبقى تأثيره محدودًا نسبيًا إن لم يقترن بدعم أميركي واسع وحاسم، فالقدرات العسكرية والمالية الأكبر لدى الولايات المتحدة هي التي تزوّد كييف بأسلحة نوعية تُحدث فرقًا ميدانيًا، مثل أنظمة الدفاع الجوي والصواريخ دقيقة التوجيه.
كما أن الموقف الأميركي يشكّل مظلة ردع أساسية تمنع روسيا من توسيع نطاق الحرب مباشرة مع الناتو، أما إذا تراجع هذا الدعم الأميركي، فلن يكون بمقدور أوروبا وحدها تغيير مسار الحرب، بل ستتمكن فقط من إطالة أمدها.
روسيا: تمسك استراتيجي واستعداد للتصعيد
في المقابل، ترفض موسكو التراجع بسهولة، إذ تعتبر أوكرانيا جزءًا من مجالها الحيوي وخطًا أحمر لأمنها القومي. وتُصر على أن توسع الناتو حتى حدودها يمثل تهديدًا وجوديًا. لذلك، تواصل روسيا تعزيز وجودها العسكري في الجناح الشرقي لأوروبا رغم كلفة الحرب الطويلة.
وفي هذا السياق، شهد الأسبوع الماضي اتصالًا هاتفيًا بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، في خطوة فسّرها البعض كمحاولة فرنسية لإعادة فتح نافذة تفاوضية مع موسكو. غير أن روسيا تبدو حتى الآن غير مستعدة لتقديم تنازلات حقيقية، وتعتبر أي تفاوض مقبولًا فقط إذا أخذ في الاعتبار مطالبها الأمنية ومكاسبها الميدانية. لذا يُنظر إلى هذا الاتصال أكثر كمحاولة دبلوماسية محدودة، لا كإشارة جدية على قرب التسوية.
بين تصاعد الضغوط الغربية وتمسك روسيا بمواقفها الراسخة، يظل المشهد محفوفًا بالمخاطر والاحتمالات المفتوحة. ومع إدارة ترامب التي توازن بين التردد والدعم، يبدو أن العالم يقف على حافة دقيقة لا تحتمل الخطأ، حيث أي تصعيد غير محسوب قد يشعل شرارة صراع شامل لا يُحمد عقباه.