الثلاثاء 15 يوليو 2025
الايام المصرية
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
الايام المصرية

في صخب الحياة وتقلُّباتها، يتوق الإنسان إلى الطمأنينة، ويبحث دومًا عن سبيلٍ يضمن له الرزق ويكفل له قوت يومه وحياةً كريمة، وهنا تبرز قضية الأرزاق كواحدة من أهم القضايا الوجودية والنفسية والدينية التي شغلت البشر على مدار العصور. 

فالرزق ليس مجرد مالٍ يجري بين الأيدي، بل هو مفهوم شامل يمسّ الحياة كلها: صحةً، وعافيةً، وطمأنينةً، وعلاقات طيبة، وسترًا لا يُرى.

الرزق في جوهره هو عطاءٌ من الله تعالى، لا ينحصر في المال وحده، وإنما يشمل كل ما ييسّره الله للعبد من أسباب المعاش والمعاد. 

الرزق عطاء إلهي مكفول بنص القرآن والسنة

وقد اختصت الكتب السماوية وعلى رأسها القرآن الكريم بالحديث عنه، حيث وردت آيات عدة تُطمئن القلوب أن الرزق مقدَّرٌ ومحفوظ، وأنه لا يموت عبد حتى يستوفي رزقه كاملاً، كما قال الله تعالى: "وفي السماء رزقكم وما توعدون" (الذاريات: 22).

غير أن هذا الاطمئنان لا يُفترض أن يكون مبررًا للتواكل أو الكسل، بل دافعًا إلى السعي والعمل، فالرزق مرتبط ارتباطًا كلياً بالسعي، لقوله تعالى: "هو الذي جعل لكم الأرض ذلولًا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه" (الملك: 15). 

فالله أمر العبد بالسعي، ووعد بالعطاء، وجعل في كل عمل إخلاصٍ بابًا من أبواب الرزق، وعلينا أن ندرك أن مفهوم الرزق يتجاوز المنظور المادي، فكم من غنيٍّ لا يهنأ بمعيشته، وكم من فقيرٍ تجده مستور الحال، مرتاح البال، ناعم القلب، غزير العطاء، محبًّا للخير. 

وهنا تتسع دائرة مفهوم الرزق فندرك أن الصحة رزق، والأمان رزق، وحب الناس رزق، وراحة البال أعظم الأرزاق.

أما من الناحية الاجتماعية، فنجد أن تفاوت الأرزاق بين الناس حقيقة أزلية، لا تُبنى على العدل البشري وإنما على حكمة إلهية، وقد جعل الله التفاوت بابًا من أبواب الابتلاء، ووسيلة لتكامل المجتمعات وتوزيع الأدوار، فالغني يُمتحن بسخائه، والفقير يُبتلى بصبره، وكلاهما يُجازى إن أحسن ورضي بقضاء الله.

كما أن اليقين بأن الرزق بيد الله يولّد في القلب سلامًا عظيمًا، ويخفف من شراهة الجشع والتكالب على المال، كما يحرر الإنسان من الشعور بالحسد أو الغيرة، ويدفعه للرضا بما قسمه الله له، مع بذل الأسباب والسعي المستمر.

إن المسلم الحق عليه أن يدرك أن الرزق ليس قضية كمية بقدر ما هو قضية بركة وتيسير، فليس كل من زاد ماله زاد رزقه، فرب درهمٍ فيه بركة خير من ألف بلا ثمرة. 

ولعل أجمل ما يُقال في ذلك: "الرزق رزقان، رزق تطلبه ورزق يطلبك، فإن أبطأ عنك الأول، فلا يفُتنك الثاني"، فكن على يقين أن الله لا ينسى عبدًا طرق بابه، ولا يخيب من أيقن أن الأرزاق لا تنال بالقوة وحدها، بل بقلبٍ معلق بالرحمن، وسعيٍ لا يعرف الكلل.

د. أماني الليثي

داعية إسلامية

تم نسخ الرابط