يشكّل الشباب في مصر أكثر من 60% من السكان، وهو ما يعني أن أي عملية انتخابية لا تعكس هذا الثقل الديموغرافي مجرد انعكاس مشوّه لإرادة الأمة.
لعقود طويلة، ظل تمكين الشباب سياسيًا شعارًا مرفوعًا دون مضمون، ومطلبًا شعبيًا لا يجد طريقه إلى الواقع الفعلي، لكن مع التحولات التي أعقبت ثورتي يناير ويونيو، وما تلاهما من حراك سياسي وتشريعي، بدأت بوادر حقيقية تظهر نحو إشراك الشباب في صياغة القرار العام وتمثيلهم في البرلمان.
ليس الحديث هنا عن حصة رمزية أو تمثيل بروتوكولي، بل عن كفاءات شابة قادرة على خوض المنافسة السياسية، تتحدث بلغة الجيل، وتستوعب أولوياته، وتملك أدوات التعامل مع التحديات الاقتصادية والتكنولوجية الراهنة، بما فيها البطالة، التحول الرقمي، وريادة الأعمال.
غير أن هذا الطموح يصطدم بجدار سميك من التحديات، أبرزها ارتفاع تكاليف الترشح، وسيطرة المال السياسي، وسطوة العائلات في بعض الدوائر، إلى جانب ضعف الأحزاب السياسية في تبني مرشحين شباب وتوفير الدعم المادي والمعنوي لهم.
ومع ذلك، تظل التجربة التي قدمها تحالف الأحزاب المصرية نموذجًا يستحق الوقوف أمامه كخطوة نحو التمكين الحقيقي.
ففي مشهد غير مسبوق، أعلن التحالف - الذي يضم 42 حزبًا سياسيًا - عن اعتماد أسماء 100 مرشح لخوض انتخابات مجلس الشيوخ 2025 على المقاعد الفردية، في 27 محافظة، يمثلون 17 حزبًا منضويًا تحت مظلته.
هذه الخطوة لم تكن مجرد إعلان انتخابي، بل تعبير عن تحول نوعي في الثقافة الحزبية، حيث بات التنسيق والعمل الجماعي أولوية على حساب الفردية والمصالح الضيقة.
في أروقة تحالف الأحزاب المصرية، لم تكن الخطوات التي اتُّخذت لتشكيل القوائم الانتخابية وليدة اللحظة أو نتاج اجتهادات فردية، بل جاءت ثمرة لعمل تنظيمي متواصل، استغرق شهورًا من التخطيط والتدقيق، وهذا ما أكده النائب تيسير مطر، أمين عام التحالف، حين وصف الإعلان عن المرشحين بأنه تتويج لجهد منسق لإعداد ملفات متكاملة وقوية، تمهيدًا للتقدم بها رسميًا أمام الهيئة الوطنية للانتخابات.
ولم يخفِ مطر تطلعه إلى المرحلة التالية، التي وصفها بأنها ستكون حاسمة على الأرض، إذ ستشهد تكثيفًا للأنشطة الميدانية والحملات الإعلامية، سعيًا لترسيخ الحضور السياسي لقوائم التحالف بين الناس، وليس فقط في المؤتمرات.
أما النائب عفت السادات، رئيس لجنة التخطيط السياسي والمتابعة، فقد وضع التجربة في إطار أوسع من مجرد قوائم وأسماء، مؤكّدًا أن ما يُقدَّم ليس مرشحين فحسب، بل نموذج سياسي متكامل يحمل ملامح الجدية والانضباط، موضحاً أن التحالف يسعى لتقديم تجربة وطنية تستحق ثقة الشارع، وتعكس نضجًا حزبيًا مبنيًا على الكفاءة، والتنوع، والشراكة.
لم يكن السادات يتحدث عن حملة انتخابية عابرة، بل عن تصور جديد للتمثيل النيابي، يبتعد عن الشعبوية، ويقترب أكثر من منطق الدولة ومطالب المواطن.
ورغم أن أغلب مرشحي التحالف من السياسيين وأصحاب الخبرة، فإن الرهان الحقيقي سيكون على مدى قدرة هذه التجربة على فتح الباب أمام الشباب، لا سيما أن القوائم ضمت بالفعل عناصر شابة واعدة في بعض المحافظات، مما يفتح الأفق أمام نقاش أوسع حول آليات تمكينهم مستقبلاً.
ولعل الدرس الأهم من تجربة التحالف يكمن في أهمية التخطيط السياسي المشترك والتنسيق المؤسسي كشرط أساسي لإنجاح أي مشروع تمثيلي للشباب، فلا التمكين يتحقق بالشعارات، ولا التغيير يُصنع عبر الصدفة، بل هو مشروع يحتاج إلى إعداد، تدريب، دعم تشريعي، وإرادة حقيقية لدى الأحزاب بأن تُخلي المساحات أمام الأجيال القادمة.
إن مصر وهي تستعد لجولة انتخابية جديدة، عليها أن تدرك أن الرهان على الشباب لم يعد ترفًا أو ترويجًا لصورة أمام الخارج، بل ضرورة وطنية لصياغة برلمان عصري يعكس حقيقة المجتمع، ويكون صوته نابعًا من نبض الشباب، لا من رتابة الماضي.
فهل تشهد انتخابات 2025 نقلة نوعية نحو تمكين الشباب، أم تبقى الأبواب مواربة؟ الإجابة رهن بالإرادة السياسية، والمجتمع المدني، وتحالفات الأحزاب، وحجم إيمانها بالشباب كمستقبل لا بديل عنه.