الايام المصرية
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى

مع فتح باب الترشح لانتخابات مجلس الشيوخ، تتجدد التساؤلات في المجتمعات الإسلامية حول حدود العلاقة بين الدين والسياسة، وحقيقة موقف الإسلام من العمل العام والمشاركة في الحياة النيابية. 

فهل السياسة جزء من المنظومة الأخلاقية الإسلامية؟ أم أن إدخال الدين في السياسة يشكل خطراً على كليهما؟ هذا المقال يسلط الضوء على هذه الإشكالية من منظور إسلامي معتدل، ويربطها بالسياق الوطني والانتخابي القائم.

الإسلام والسياسة.. رؤية تأصيلية للولاية والانتخابات

لم يكن الإسلام يوماً دين عزلة أو طقوس فقط، بل جاء بمنظومة قيمية وتنظيمية شاملة تشمل الحكم والتشريع والرقابة. 

وقد نص القرآن الكريم على أهمية الشورى في إدارة الشأن العام، قال تعالى: ﴿وأمرهم شورى بينهم﴾ [الشورى: 38]

كما قال: ﴿إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل﴾ [النساء: 58].

ومن هنا، فإن المشاركة السياسية، ومنها الترشح لمجلس الشيوخ، تعد صورة من صور الأمر بالمعروف والنهوض بالأمانة العامة.

وقد أكد الإمام أبو الحسن الماوردي في كتابه الأحكام السلطانية أن «الولاية على الناس من أعظم منازل الدين، إذ لا يتم الدين إلا بها، ولا تستقيم الدنيا إلا بسلطان قاهر».

البرلمان المصري يُقر قانون تنظيم الفتوى بعد تعديلات الأزهر، وجدل حول عقوبة  النشر - شبكة مراسلين

الترشح لانتخابات مجلس الشيوخ واجب لا وجاهة

إن الترشح لانتخابات مجلس الشيوخ أو غيره من الهيئات النيابية يجب أن ينطلق من مبدأ الأمانة والمسؤولية، لا من حب الظهور أو التسلط، وقد حذر النبي ﷺ من السعي للمناصب بغير كفاءة فقال صلى الله عليه وسلم: "يا عبد الرحمن، لا تسأل الإمارة، فإنك إن أوتيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أوتيتها عن غير مسألة أُعِنت عليها" [رواه مسلم].

والترشح الصادق هو من باب النصح للأمة، والمشاركة في صنع القرار، والدفاع عن حقوق الناس، لا مجرد منصب شكلي.

كما أن اختيار الناخبين للمرشحين مسؤولية عظيمة، فهو نوع من الشهادة وقد قال الله تعالى: ﴿ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه﴾ [البقرة: 283].

لذلك يجب على كل ناخب تحري الكفاءة والنزاهة عند التصويت، والبعد عن الاعتبارات العائلية أو الدعاية الفارغة أو المصالح الخاصة.

وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "الولاية إنما تُعطى لمن يقوم بها على خير وجه، فإذا وُلّي من لا يستحقها كان ذلك من أعظم الظلم". (الفتاوى الكبرى)

تحذير شرعي: الدين ليس وسيلة للدعاية الانتخابية

إن من أخطر ما يقع في الانتخابات استخدام الخطاب الديني كشعار أو وسيلة للتأثير على الناخبين، وقد حذرت دار الإفتاء المصرية من هذا الأمر مؤكدة أن "توظيف النصوص الدينية في البرامج الانتخابية بغير علم أو توجيه الناخبين بفتاوى لغير المختصين أمر مرفوض شرعاً ويخل بنزاهة العملية الديمقراطية".

الدكتور علي جمعة أمام البرلمان: قانون تنظيم الفتوى ضرورة وطنية لحماية  المجتمع من الفوضى والتطرف - موقع الحرية

إن العضو المنتخب في مجلس الشيوخ لا يمثل نفسه بل الأمة، ويُحاسب أمام الله والناس على كل تصويت واتجاه، كما قال النبي ﷺ: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته" [رواه البخاري ومسلم].

كما أن العمل النيابي في الإسلام ليس مكافآت أو وجاهة، بل التزام حقيقي بتحقيق مصالح الناس وفق الضوابط الشرعية والوطنية، والمشاركة في التشريع الذي يحقق العدل ويصون الحريات.

وليعلم الجميع أن الإسلام يحض على الصدق في القول والعمل، ويرفض الغش والتضليل، كما قال تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين﴾ [التوبة: 119].

وهنا ينبغي على الجميع تبني خطاب انتخابي مبني على الصدق والوضوح، لا على المزايدات، وأن يركّز على البرامج لا على العواطف أو الشعارات الرنانة، كما قال الإمام الغزالي: "الصدق هو أساس النجاة في الدنيا والآخرة، وما فسدت السياسات إلا بالكذب والتزييف".

إن الانتخابات، من منظور إسلامي، ليست مسألة شكلية بل شهادة ومسؤولية. صوتك هو وسيلة لبناء دولة عادلة، وإيصال من يمثل الأمة بحق، كما قال النبي ﷺ: "من غشنا فليس منا" [رواه مسلم].

كما أن المشاركة السياسية الواعية هي من أعظم صور الشهادة في العصر الحديث، وهي أداة لإصلاح الواقع، إن أحسنا الاختيار وتحرينا الصدق والأمانة.

د. مظهر شاهين 

إمام وخطيب مسجد عمر مكرم

تم نسخ الرابط