قانون الإيجار القديم بين دموع المسنيين وصرخات المؤجرين

يعيش الشارع المصري هذه الأيام على وقع الجدل الدائر حول تعديلات قانون الإيجار القديم، الذي ظل لعقود أحد أكثر الملفات تعقيداً في العلاقة بين المالك والمستأجر.
وفي الوقت الذي أعلن فيه البرلمان المصري الموافقة النهائية على التعديلات الجديدة، انقسمت الآراء بين مؤيد يرى في القانون استعادة للحقوق وتصحيحاً تشريعياً تأخر كثيراً، ومعارض يخشى من المساس بالسلم الاجتماعي وتشريد آلاف الأسر، إلى جانب اعتراضات قانونية ودستورية على بعض أحكام التعديل.

المقال التالي يحاول تقديم رؤية شاملة ومحايدة للتعديلات، تستعرض أبعادها القانونية والاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية، في ضوء ما تثيره من إشكاليات وتحديات.
الفقرة التالية تتوافق مع محركات البحث من حيث الكلمات المفتاحية مثل: قانون الإيجار القديم، تعديل قانون الإيجار، حقوق الملاك والمستأجرين، المحكمة الدستورية العليا، الأزمة السكنية في مصر.
الملف يحمل أبعادًا شائكة، تبدأ من إعادة تنظيم العلاقة الإيجارية، وتمر عبر حماية حقوق الملكية، ولا تنتهي عند مخاوف الإخلاء القسري التي تهدد النسيج المجتمعي في بلد يعيش فيه أكثر من 6 ملايين مواطن بوحدات تخضع لنظام الإيجار القديم.
اعتمدت التعديلات على مبدأ الانتقال التدريجي من الإيجار غير المحدد المدة إلى الإيجار المحدد بمهلة انتقالية، تبلغ 5 سنوات للوحدات غير السكنية، و7 سنوات للوحدات السكنية. وشملت مضاعفة القيمة الإيجارية إلى حد أدنى 20 ضعفاً من القيمة الرمزية القديمة، على ألا تقل عن 1000 جنيه شهرياً في المدن، و500 جنيه في القرى.
وفي نهاية المدة الانتقالية، يتم إنهاء العلاقة الإيجارية القديمة، على أن يخضع العقد الجديد للقانون المدني، مما يعني حرية الاتفاق بين الطرفين على شروط الإيجار الجديد أو إنهاء العلاقة التعاقدية.
مزايا التعديلات من وجهة نظر المؤيدين
يرى المؤيدون أن التعديلات تنهي حالة من التجميد في سوق العقارات، أعاقت لسنوات حركة الاستثمار والاستخدام الأمثل للأصول العقارية. فهناك الآلاف من الوحدات المغلقة التي لا يستخدمها المستأجرون الأصليون أو ورثتهم، في وقت يعيش فيه ملايين من الشباب والأسر في ظروف سكنية قاسية.
ويعتبر المدافعون عن التعديل أن القانون يعيد التوازن لحقوق الملكية التي ظلت منتهكة لعقود، حيث لا يجوز قانوناً أن يحصل شخص على وحدة سكنية في قلب العاصمة بإيجار شهري لا يتجاوز عشرات الجنيهات بينما يتقاضى معاشاً أو دخلاً مرتفعاً.
كما يشير البعض إلى أن القانون الجديد راعى البعد الاجتماعي، من خلال مرحلة انتقالية، إلى جانب إمكانية تدخل الدولة عبر برامج إسكان اجتماعي للأسر غير القادرة.

مخاوف واعتراضات المعارضين
في المقابل، يرى المعارضون أن القانون قد يؤدي إلى كارثة اجتماعية حقيقية، إذا لم تُقدَّم بدائل حقيقية للأسر التي لا تملك مأوى آخر. فالكثير من الأسر تقيم منذ عقود في هذه الوحدات، وتعتبرها سكناً دائماً لا يمكن الاستغناء عنه، خاصة كبار السن وذوي الدخل المحدود.
ويخشى المعارضون أن تؤدي الزيادة المفاجئة في الإيجارات، أو انتهاء العلاقة التعاقدية بعد المهلة، إلى موجة تشريد وتشقق مجتمعي، قد تعيد إنتاج مشاهد العشوائيات والانفجار السكاني في أطراف المدن.
الجدل الدستوري: هل التعديل قابل للطعن؟
أحد أبرز الاعتراضات على التعديلات الجديدة ما أشار إليه المحامي بالنقض والدستورية العليا أحمد صبري ليله، من أن القانون بشكله الحالي قد يتعارض مع حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر في القضية رقم 70 لسنة 18 قضائية، والذي أكد على مشروعية الامتداد القانوني لعقد الإيجار حماية للحق في السكن ومبدأ التضامن الاجتماعي.
حكم المحكمة الصادر عام 2002 أقر بأن الإبقاء على الامتداد القانوني لا يمس جوهر الملكية الخاصة طالما ارتبط بضرورة اجتماعية ملحة، تتمثل في عدم توازن العرض والطلب على السكن. وبالتالي، فإن تقليص مدة العقد وتحديد نهايته بخمس أو سبع سنوات قد يُعتبر إهداراً للمبدأ الذي أسس له القضاء الدستوري، مما يفتح المجال للطعن على القانون بعدم الدستورية.

الرهانات المستقبلية: بين التفعيل والتوازن
المعضلة الحقيقية ليست فقط في صياغة النصوص، بل في كيفية تطبيقها. فنجاح القانون مرهون بوجود آليات إنسانية واقتصادية داعمة، مثل:
- التوسع في الإسكان الاجتماعي
- تقديم تسهيلات انتقال سكني للفئات غير القادرة
- إنشاء صناديق تعويض للمستأجرين المتضررين
- تشجيع التعاقدات الجديدة بعقود متوازنة تحفظ حقوق الطرفين.
كما أن إشراك المجتمع المدني، والنقابات المهنية، والمجالس المحلية، في مراقبة تطبيق القانون، سيكون ضرورياً لمنع الانزلاق إلى صدام مجتمعي أو تطبيق انتقائي قد يضرب الفئات الأضعف.
التعديل المقترح لقانون الإيجار القديم يعكس محاولة جادة لعلاج خلل تاريخي في السوق العقارية المصرية، لكنه في الوقت نفسه يحتاج إلى ضمانات دستورية واجتماعية حقيقية، تضمن ألا تتحول المعالجة الاقتصادية إلى أزمة إنسانية.
الخط الفاصل بين حماية حق الملكية وحق السكن هو خط دقيق، يتطلب تشريعاً مرناً، وعدالة تطبيق، وضمير مجتمعي حي، حتى لا يكون القانون الجديد مقدمة لانقسام اجتماعي، بل فرصة لإعادة هندسة العلاقة بين الإنسان والمكان في إطار العدالة والكرامة.

الحل التشريعي المقترح لتوازن العلاقة الإيجارية في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة
في ضوء النقاش المجتمعي الدائر حول قانون الإيجار القديم، واستنادًا إلى المبادئ الدستورية التي توازن بين حق الملكية وحق السكن، أقترح تعديلاً تشريعياً يُحقق العدالة بين المالك والمستأجر دون الإخلال بالسلام الاجتماعي.
ويتمثل هذا الحل في إقرار زيادة سنوية تدريجية على القيمة الإيجارية بنسبة 150%، بما يُعيد التوازن الاقتصادي لعقود الإيجار الممتدة، مع الإبقاء على أسباب الإخلاء المنصوص عليها في القانون رقم 136 لسنة 1981، والتي تشمل:
- الامتناع عن سداد القيمة الإيجارية.
- التأجير من الباطن دون إذن المالك.
- الاستعمال غير المشروع للعين المؤجرة.
- القيام بأعمال هدم أو بناء داخل العين المؤجرة دون ترخيص.
كما يُضاف إلى تلك الأسباب بند جديد يتعلق بـ"ترك المستأجر للعين المؤجرة لمدة تتجاوز عامًا متصلًا دون مبرر مشروع"، وهو ما يُعد بمثابة تنازل ضمني عن الانتفاع، ويُعطي المالك الحق في استرداد الوحدة.
إن هذا المقترح يُراعي الحقوق المكتسبة للمواطنين من أصحاب الدخول المحدودة، لا سيّما كبار السن وأصحاب المعاشات، والمستفيدين من برامج الدعم الاجتماعي مثل "تكافل وكرامة"، ويضمن في الوقت ذاته تعزيز مبدأ العدالة التعاقدية وتحقيق الاستدامة الاقتصادية للمالك والمستأجر على حد سواء، دون أن يمس جوهر الحماية القانونية التي أقرها المشرّع للفئات غير القادرة.
بقلم: خالد فؤاد
رئيس حزب الشعب الديمقراطي