
في زحام الأيام، وتحت وطأة الخلافات الصغيرة التي تتراكم كأنها جبال، يضيع منا نصف أعمارنا دون أن نشعر، لا لأن العمر قصير، بل لأننا نُهدره في العناد، وفي الخصام، وفي التمسك بما لا يستحق، ونترك أعظم فضيلة وهي التسامح.
أمور هينة، كلمات عابرة، مواقف لحظية، كان يمكن ببساطة أن نمررها بالتغاضي، أن نرتقي عليها بالتسامح، أن نحفظ أيامنا بالحب لا بالجفاء.
كم من ليالٍ بردت فيها الأرواح لأن القلوب امتلأت بالغضب؟ وكم من علاقات انتهت لأن الكبرياء أبى أن يفسح مجالاً للاعتذار؟ كأننا في سباقٍ خاسر، نتفنن فيه في منطق الكسر والقطيعة، وننسى أن "الدنيا الجميلة" لا تُخلق إلا من قلبٍ يُحسن الظن، ويدٍ تمتد بالمصافحة، وروحٍ تؤمن أن التسامح ليس ضعفاً بل رفعة.
إننا بحاجة إلى وقفة مع الذات، نراجع فيها خرائط قلوبنا، نسأل: هل يستحق كل هذا العتاب أن نخسر من نحب؟ وهل تستحق زلات البشر البسيطة أن نحولها إلى جراح لا تندمل؟ الحقيقة أن الحياة لا تنتظر أحداً، واللحظات تمضي سريعاً، فإما أن نعيشها بقلوبٍ صافية، أو نُثقل أرواحنا بما لا طائل منه.
لقد صدقت كوكب الشرق أم كلثوم حين غنّت: "ليه نضيع عمرنا هجر وخصام؟"؛ كلمات تلخص فلسفة الحياة بأكملها، فالعمر لا يُقاس بعدد السنين، بل بعدد اللحظات التي عشناها بسلامٍ ورضا وقلوبٍ مطمئنة.
فلنجعل من صباحاتنا بداية جديدة، نغسل فيها القلوب من غبار الخصام، ونسأل الله أن يجعلنا من الزارعين للخير في كل درب، الحاصدين للطمأنينة في الدنيا والآخرة.
اللهم اجعل لنا في التسامح حياة، وفي التغاضي سلام، وفي الرضا سعادة لا تزول.
اللهم ادم علينا راحة البال، وازرع في قلوبنا نور الأمل، وسعة الرزق، ولُباس العافية، وحسن الخاتمة.
اللهم لا تجعل للحزن مكاناً في قلوبنا، ولا للخوف مستقراً في أرواحنا.
صباحكم رضا، وسلام، ونوايا بيضاء تمهد لطريقٍ أجمل مما مضى.
أشرف الليثي
نائب رئيس تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط