الإثنين 01 سبتمبر 2025
الايام المصرية
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى

أسماء قرى مصرية تجلب العار.. إنها مأساة حقيقية يعاني منها آلاف المواطنيين في قلب الريف المصري، حيث تنمو الحكايات الصادقة وتتشكل ملامح الهوية، هناك مأساة لا تتعلق بنقص خدمات أو تراجع في البنية التحتية، بل بمأساة أعمق تمس الكرامة والوجدان. 

مأساة تبدأ من لافتة تُعلن اسم قرية، لكنها تخدش الحياء، وتؤلم النفس، وتُربك الانتماء.

نعم، ما زال في وطننا قرى تحمل أسماءً تثير السخرية أو الحرج أو الاشمئزاز، بل تصل إلى حد البذاءة والانتهاك الصريح للذوق العام والأدب والاحترام الإنساني. إنها ليست مجرد أسماء، بل جراح يومية تلاحق سكان هذه المناطق، وعبء نفسي ومعنوي يثقُل على أبنائها جيلاً بعد جيل.

الفلاح المصري

أسماء تقتل الانتماء وتُقصي الكرامة

في مصر أكثر من 4776 قرية يتبعها أكثر من 30 ألف عزبة وكفر ونجع، من بينها مئات المواقع التي تحمل أسماء غير لائقة، وتتنافى مع الذوق العام وأخلاقيات المجتمع. قرى مثل:

أبو العَرصة في الدقهلية، الزرائب في قنا، المسدس في الشرقية، أم الرّخم في مطروح، شم البصل في المنيا، براشيم في المنوفية، الكلابية في الأقصر، والطرحـة في دمياط، وخرمان في الجيزة… وغيرهم كثير.

تخيل طفلًا يذهب إلى مدرسته ويُسأل عن اسم قريته، أو شابًا يبحث عن فرصة عمل في مدينة كبرى، ويجد اسمه مقترنًا باسم قرية توحي بالسباب أو السخرية أو العنصرية.

هذه الأسماء ليست مجرد مفردات، بل مرآة لماضٍ لم يكن يقدّر أثر الكلمة، وعنوان لفجوة إدارية حقيقية في حاضر لا يُبادر إلى التغيير، ومستقبل يُهدَّد بفقدان شعور الانتماء.

القانون لا يمنع.. ولكن الإدارة غائبة

للأسف، رغم وضوح النصوص القانونية، ورغم سهولة الإجراءات، فإن أغلب المحافظين لم يُبدوا أي رغبة حقيقية أو خطوات جادة لتغيير هذه الأسماء في قرى مصرية تجلب العار لأبناءئها.

وفقًا لقانون الإدارة المحلية رقم 43 لسنة 1979، يمكن لأي مجموعة من الأهالي تقديم طلب لتغيير اسم القرية، ويُعرض الأمر على الوحدة المحلية، ثم المجلس التنفيذي للمحافظة، وبعد الموافقة تُشكل لجنة مختصة من أبناء القرية وممثلين عن الإدارات المعنية، لاختيار اسم جديد يُعبّر عن كرامة الناس وطموحاتهم.

لكن ما يحدث على الأرض مختلف تمامًا. هناك حالات إيجابية ومشرفة في محافظتي الغربية والدقهلية، حيث وافق المحافظون على تغيير أسماء مثل "أبو العَرصة"، و"السود"، و"العبيد"، إلى أسماء تليق بسكان هذه القرى. 

ولكن ماذا عن باقي المحافظين؟ ما الذي يمنعهم؟ وهل سيبقى ملايين المصريين أسرى لأسماء لا تليق بهم؟

جهود الدولة في دعم الفلاح المصري - منصة مصر الزراعية

دعوة صريحة لتطهير خريطة مصر من لافتات الإهانة

أكتب هذا المقال من منطلق إنساني ووطني أولًا، ثم من واقع عملي كأستاذ للإدارة المحلية ومتابع دقيق لحال المحافظات. وأدعو من هذا المنبر:

 إلى تشكيل لجان عاجلة في كل محافظة لمراجعة أسماء القرى والمناطق ذات الدلالة غير اللائقة.

 إلى إشراك الشباب في اختيار أسماء جديدة تعبّر عن قيم مثل "الأمل"، "النجاح"، "الوفاء"، و"النور"، كما حدث في بعض قرى البحيرة.

 إلى إطلاق منصة إلكترونية وطنية لجمع المقترحات، وتوثيق الأسماء الجديدة، وربطها رقميًا بالجهات التنفيذية.

 إلى إنشاء نيابة إدارية محلية متخصصة في كل محافظة، تُراقب أداء المحليات، وتتابع مثل هذه الملفات التي لا تقل أهمية عن قضايا الفساد أو الإهمال.

كفى إذلالًا لأبناء الريف المصري باسم العُرف أو التاريخ أو التقليد.

الكرامة لا تُجزأ، والانتماء لا ينمو في بيئة تستحي من اسمها، ولا يمكن أن نتحدث عن "حياة كريمة" في قرية تحمل اسمًا "مُهينًا" أو "ساخرًا" أو "جارحًا".

حان الوقت لتطهير خريطة مصر من هذه الأسماء التي لا تُشبهنا، واستبدالها بأسماء تُعبّر عن حضارتنا، وتُكرّم الإنسان، وتزرع الفخر في نفوس الأبناء بدلًا من الحرج والخجل.

دعونا نبدأ من اللافتة الصغيرة على مدخل القرية، لأنها تحمل رسالة كبيرة عن هوية المكان وسكانه، ولنجعل لكل قرية في مصر اسمًا يليق بها، وبأحلام أبنائها، وبكرامة أمهاتهم وآبائهم، فربما لا يكون تغيير الاسم هو نهاية الطريق، لكنه بالتأكيد بداية احترام لا يجب أن نؤجّله أكثر من ذلك.

بقلم: د. حمدي عرفة

أستاذ الإدارة المحلية وتطوير المناطق العشوائية

تم نسخ الرابط