فوزي أبو الطاهر أبو المحاربين القدامى: الجيش المصري صمام أمان الوطن والعروبة

فوزي أبو الطاهر: الجيش لا يقتل الأسرى، والوطنية سلوك وليست شعارات
أبو الطاهر: تكريم الأبطال القدامى ضرورة لإنعاش الذاكرة الوطنية
أبو المحاربين القدامى: ثورة 30 يونيو استعادت الهوية المصرية وأنقذت الدولة من الخراب
البطل الصامت: أسرت طيار إسرائيلي في 67 .. وأبطال مصر اخترقوا حصون تل أبيب
حوار: جون فرنس
وسط أعوام اشتعلت فيها المعارك، وتبدلت فيها خرائط التاريخ والجغرافيا، وخرجت منها مصر مرفوعة الرأس ببطولات رجال لم يبحثوا عن أضواء، بل عن شرف الواجب.. يظهر في صمت أحد أولئك الرجال، الذين صاغوا بدمهم وعرقهم صفحات من المجد والكرامة الوطنية.
ضيفنا اليوم ليس شخصًا عاديًا، بل هو قطعة من التاريخ الحي، وذاكرة وطنية تمشي على الأرض، هو البطل المحارب فوزي أبو الطاهر حماد، ابن محافظة بورسعيد، والذي بلغ عامه السادس بعد المئة، إذ وُلد عام 1919، ليكون شاهدًا ومشاركًا في كل المحطات المفصلية التي مرت بها مصر طوال القرن الماضي، بعد أن أصبح يلقب بابو المحاربين القدامى.
بعد أن أنهى دراسته التحق بالعمل في شركة البترول، لكن نداء الوطن لم يكن يومًا غائبًا عنه، فالتحق بالقوات المسلحة المصرية، وشارك في حرب فلسطين 1948، وكان من بين الجنود الذين خدموا تحت قيادة الضابط نظير جيد، الذي صار لاحقًا البابا شنودة الثالث.
ولم يتوقف عطاؤه الوطني عند جبهة القتال، بل واصل أداءه المشرف داخل حركة الدفاع الشعبي أثناء العدوان الثلاثي عام 1956، وامتد دوره إلى دعم محافظة سوهاج في فترة ما بعد النكسة.

س: نبدأ من البدايات يا عم فوزي، كيف كانت رحلتك الأولى في خدمة الوطن؟
لقد نشأت على حب مصر منذ نعومة أظافري. وبعد أن أتممت تعليمي، التحقت بالعمل في شركة البترول. لكن عندما علمت بما يجري في فلسطين عام 1948، لم أستطع البقاء مكتوف الأيدي، فقد دفعني حبي للوطن إلى التقدم بطلب للالتحاق بالقوات المسلحة. وبالفعل انضممت إلى الجيش وشاركت في الحرب. وكان من بين الضباط الذين خدموا معنا آنذاك نظير جيد، الذي عرفه الناس لاحقًا باسم البابا شنودة، وكان رجلًا خلوقًا ومحترمًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
س: وماذا عن مشاركتك في المقاومة الشعبية عام 1956؟
كانت أيامًا صعبة لكنها مجيدة في آن واحد. فقد اجتاح العدوان الثلاثي مدينة بورسعيد، وسادت أجواء من الغضب والخوف بين الناس، لكننا نحن الشباب قررنا ألا نقف مكتوفي الأيدي. قمنا بتنظيم صفوفنا، وحرّكنا الشباب في الشوارع، ونفذنا عمليات أربكت العدو. كان لنا دور محوري في صدّ الاحتلال. وفي أحد الأيام العصيبة، نجحنا في طرد جنود العدوان من بعض الأحياء، وكانت لحظة فخر لا توصف. تلقّيت حينها اتصالًا من الرئيس جمال عبد الناصر قال فيه: "ربنا يديكم العافية.. أنا جاي أزور بورسعيد وهي نظيفة بفضلكم". كانت تلك الكلمات وسام شرف لي ولكل أبناء بورسعيد.
س: ما أبرز موقف تعتبره نقطة تحول في حياتك؟
من دون شك، كان الحريق الذي اندلع في أحد مستودعات البترول ببورسعيد. كان هناك ما يقرب من 24 ألف طن من البترول، ولو اتسع الحريق، لأتى على المدينة بأكملها. استخدمت خبرتي الفنية في مجال البترول، وبتوفيق الله تمكنت من السيطرة على الحريق وإخماده. تم تكريمي من الرئيس جمال عبد الناصر، ومن محافظ بورسعيد، وكذلك من شركة البترول. ذلك الموقف غيّر مجرى حياتي، وشعرت حينها أنني ساهمت في إنقاذ أرواح كثيرة.

س: وماذا عن بطولاتك في حرب 1967؟
كنت حينها ضمن قوات الجيش الثاني الميداني، وعشت أيامًا لا تُنسى. من المواقف التي ما زلت أذكرها بوضوح أنني تمكنت من أسر طيار إسرائيلي هبط بمظلته. تحدثت إليه بلغته، إذ كنت قد حصلت مسبقًا على دورة في اللغة العبرية. ورغم حالة الغضب التي كانت تعمّ الجميع في تلك الفترة، لم أسمح لأحد بإيذائه، وسلّمته وفقًا للقانون إلى الجهات المختصة. فالجيش المصري لم يكن يومًا يقتل الأسرى، وهذه من القيم التي أفتخر بها حتى اليوم.
س: نعلم أنك انتقلت لاحقًا إلى محافظة سوهاج.. كيف ساهمت في دعمها؟
بعد نكسة 1967، كانت هناك هجرة مؤقتة إلى سوهاج. وهناك تعرفت، بفضل الله، على المحافظ الراحل عبد المنعم واصل، وكان رجلًا يستمع جيدًا ويقدّر من يمتلك الأفكار والرؤية. كنا نتنقل معه ونعرض عليه مقترحات تخص مشروعات شبابية وتنموية. من بين ما عملنا عليه تأسيس شارع الكورنيش، وتطوير منطقة مجلس المدينة. وكان بمعيته السكرتير العام، والدولة في ذلك الوقت كانت تستمع لأصحاب الخبرة، وليس فقط لأصحاب المناصب.

س: كيف ترى اهتمام الدولة اليوم بأمثالك من أبطال الوطن؟
بصراحة، هناك من نسي هؤلاء الذين ضحّوا بأرواحهم من أجل الوطن. لا أطلب شيئًا لنفسي، لكنني أتمنى أن تهتم الدولة بأمثالنا، وأن تكرّم الذين شاركوا في الحروب والمقاومة. لسنا نبحث عن جوائز، بل نطمح إلى الاعتراف بما قدمناه. وأنا أناشد السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي نحترمه ونثق في وطنيته، أن يكرّم الأبطال القدامى، ويجعلهم قدوة يُحتذى بها من قِبل شباب اليوم الباحثين عن معنى حقيقي للوطنية.
س: ما رأيك في ثورة 30 يونيو وكيف تراها في سياق التاريخ الوطني لمصر؟
ثورة 30 يونيو كانت، في نظري، طوق نجاة حقيقيًا لمصر. لقد خرج الشعب بالملايين في كل الميادين، ليس فقط لتغيير نظام سياسي، بل لحماية هوية الدولة المصرية التي امتدت لآلاف السنين. جماعة الإخوان المسلمين والجماعات المتطرفة كانت تسعى لطمس الشخصية المصرية، وللسيطرة على مؤسسات الدولة، وتحويلها إلى دولة دينية متشددة تفتقر إلى مفاهيم الوطنية والتسامح. لكن الشعب المصري قال كلمته، والرئيس عبد الفتاح السيسي اتخذ قرارًا تاريخيًا، وقف فيه بجانب الإرادة الشعبية، وأنقذ البلاد من مصير كان قد يكون أكثر ظلمة من مصير سوريا أو ليبيا.
ثورة 30 يونيو أعادت لمصر هويتها، وبنت أسس الاستقرار، وأعادت احترام العالم لنا. الإنجازات التي تلت الثورة في مختلف المجالات – من بنية تحتية، إلى جيش قوي، إلى تحسن تدريجي في الاقتصاد رغم التحديات – كلها ما كانت لتتحقق لولا تلك اللحظة الفاصلة، وأنا كمحارب قديم، أشعر بالفخر لأنني شهدت شعب مصر يصنع مصيره بيده، ورئيسًا يقف بشجاعة ليقول: "مصر ليست للبيع".

س: ما رسالتك إلى شباب مصر اليوم؟
رسالتي لهم هي أن مصر أغلى من أي شيء. اجتهدوا وتعلموا وحققوا أحلامكم، لكن لا تنسوا أن للوطن حقًا عليكم. إذا قام كل فرد بواجبه بإخلاص، فستبقى مصر دائمًا واقفة شامخة، مهما واجهت من تحديات.
س: كلمة أخيرة؟
أنا فخور بأنني مصري، وفخور بأنني حاربت من أجل هذا الوطن، وفخور بكل لحظة قضيتها في خدمته. وأسأل الله أن يديم علينا نعمة الأمن، ويحفظ جيشنا العظيم، ويرعى رئيس البلاد، ويبارك في هذا الشعب الطيب.