برشلونة تتخذ قرارا تصعيديا بشأن العلاقات مع إسرائيل، ما القصة؟

في خطوة جديدة تعكس موقفا سياسيا واضحا، صوت مجلس مدينة برشلونة، اليوم الجمعة، على قطع العلاقات المؤسسية مع الحكومة الإسرائيلية، في قرار لافت تضمن أيضا تعليق اتفاقية الصداقة التي تربط المدينة بنظيرتها تل أبيب، وذلك على خلفية ما وصف بانتهاكات إسرائيلية للقانون الدولي وحقوق الفلسطينيين، خصوصا في قطاع غزة.
وأثار القرار تفاعلاً واسعا داخل الأوساط السياسية والإعلامية، جاء بدعم من الحزب الاشتراكي الحاكم وعدد من الأحزاب اليسارية في المدينة، الذين طالبوا بوقف كل أشكال العلاقات الرسمية مع إسرائيل، إلى حين التزامها بالقانون الدولي وضمان حقوق الشعب الفلسطيني الأساسية.
ويشكل هذا التحرك منعطفا جديدا في العلاقات بين واحدة من أبرز المدن الأوروبية والدولة العبرية.
برشلونة تعلق اتفاقية عمرها أكثر من 25 عاما
وبحسب ما رصدته “الأيام المصرية” نقلاً عن وكالات أنباء عالمية، فقد شمل القرار تعليق اتفاقية الصداقة الموقعة عام 1998 بين برشلونة وتل أبيب-يافا، والتي كانت تندرج ضمن إطار التبادل الثقافي والتعاون المؤسسي بين المدينتين.
كما دعت بلدية برشلونة شركة "فيرا دي برشلونة"، المنظمة للمعارض التجارية الكبرى، إلى عدم استضافة أجنحة رسمية للحكومة الإسرائيلية أو أي شركات ضالعة في تجارة الأسلحة أو تحقق مكاسب من الصراع الجاري في غزة.
وأكد رئيس بلدية برشلونة الحالي، جاومي كولبوني، خلال جلسة التصويت أن "المعاناة والموت في غزة على مدى الأشهر الـ18 الماضية، والهجمات الأخيرة التي نفذتها الحكومة الإسرائيلية، تجعل من المستحيل استمرار أي علاقة طبيعية معها"، على حد تعبيره.
وتعكس تصريحات كولبوني، التحول في المزاج السياسي داخل المجلس البلدي، خاصة بعد فوزه في الانتخابات المحلية الأخيرة.
تاريخ من المواقف المتقلبة بين بلدية برشلونة وإسرائيل
ومن الجدير بالذكر، أن هذه ليست المرة الأولى التي تتخذ فيها برشلونة موقفا حادا من علاقاتها مع إسرائيل.
ففي عام 2023، كانت عمدة المدينة السابقة، آدا كولاو، قد قررت قطع العلاقات الرسمية مع تل أبيب، قبل أن تتراجع عن القرار لاحقا بعد ضغوط سياسية وإعلامية، ليعود الملف من جديد إلى الواجهة بفوز كولبوني في الانتخابات وطرحه المسألة على جدول أعمال المجلس البلدي.
ويرى مراقبون أن الخطوة الحالية تتماشى مع موجة دولية آخذة في التنامي، تعبر عن معارضة متزايدة للحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، خصوصا في الأوساط الأوروبية التقدمية واليسارية.
ويأتي هذا القرار بعد أسابيع قليلة من إعلان كل من إسبانيا وأيرلندا والنرويج اعترافهم الرسمي بدولة فلسطين، في خطوة مشتركة أثارت غضب الحكومة الإسرائيلية واعتبرتها تحركا "غير ودي".
رسالة سياسية من قلب أوروبا
تمثل برشلونة ثاني أكبر مدينة في إسبانيا، وواحدة من أبرز الوجهات السياحية والثقافية في أوروبا، بالإضافة إلى كونها موطن نادي برشلونة الشهير، وهو ما يضفي على قرار مجلسها المحلي بعدا رمزيا وسياسيا قويا.
فالخطوة لا تعني فقط قطع العلاقات بين مدينتين، بل توجه رسالة مباشرة إلى الحكومة الإسرائيلية مفادها أن المجتمع الدولي، وخاصة في العواصم الأوروبية الكبرى، لم يعد قادرا على تجاهل تداعيات الحرب في غزة والخرق المتكرر لحقوق المدنيين.
وفي الوقت نفسه، من المتوقع أن يثير القرار جدلاً داخل إسبانيا وخارجها، خاصة بين المؤيدين لإسرائيل الذين قد يعتبرونه انحيازا سياسيا قد يضر بالمصالح الاقتصادية والثقافية للمدينة، فيما يرى المؤيدون للخطوة أنها تعبير مشروع عن موقف إنساني وسياسي في ظل المأساة المستمرة في الأراضي الفلسطينية.
تداعيات محتملة لقرار بلدية برشلونة
ولم تعرف بعد ردود فعل رسمية من جانب الحكومة الإسرائيلية على القرار، إلا أن تجارب سابقة تشير إلى أن مثل هذه الخطوات غالباً ما تقابل بانتقادات شديدة من تل أبيب، التي تعتبر مقاطعتها محاولة "لنزع الشرعية عنها"، كما تدعو في العادة إلى مواجهة ما تصفه بـ"التحريض السياسي" ضدها في المحافل الدولية.
ومن جهتها، قد تتخذ الحكومة الإسبانية موقفا وسطا، إذ سبق أن فضلت مدريد اتباع مسار دبلوماسي متوازن، رغم إعلانها الرسمي الاعتراف بدولة فلسطين.
ومن غير المستبعد أن تحاول التخفيف من حدة التوتر الناتج عن موقف برشلونة، حفاظا على العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع تل أبيب.
وفي المجمل، يمثل قرار مجلس بلدية برشلونة خطوة جريئة جديدة في سياق مواقف دولية متزايدة تطالب بوقف الحرب في غزة وإعادة الاعتبار للقانون الدولي وحقوق الإنسان.