تأدب أيها المستخدم أنت في حضرة الخوارزميات، لم تعد الخوارزميات مجرد معادلات رياضية تنظم البيانات، بل أصبحت شريكاً خفياً في تشكيل الوعى والسلوك الرقمي. التحكم والسيطرة والتدخل فى كل نقرة وإعجاب ومشاركة، باتت تؤدى دور الموجه دون ان نشعر.
وقد شاهدنا العديد من مقدمي المحتوى عبر المنصات المختلفة وخاصة اليوتيوب والشكوى من الخوارزميات ودورها في عدم وصول المحتوى للمشاهدين عبر المنصة مما تسبب في أثار سلبية على العائد المادي و تراجع القنوات وحجب المحتوى ولم يكتشف حتى الآن الأسباب. وكذلك بعض رواد مستخدمي الفيسبوك أشاروا عبر صفحاتهم أن المنشورات لم يأتي عليها تفاعل ولا تظهر للأصدقاء. وكذلك أعربوا عن شكوى من ظهور محتوى غير لائق وبشكل وتكرار نوعية وشاكلة هذه المنشورات ما بين صور وفيديو قصير أو كما تسمي ”ريلز”. ورغم معايير ميتا المجتمعية الصارمة في حجب أي منشور ليس على المزاج إلا ان مثل هذه المنشورات تثير الشكوك والتساؤلات فلماذا لا تطبق المعايير المجتمعية على هذا النوع من المحتوى؟!.
كما اعتدنا على تقديم نصائح وارشادات من رواد المنصات والخبراء في مجال السوشيال ميديا عن كيفية تجهيز أفكار المنشورات والتصميم ومواعيد النشر وكيفية بناء هوية الصفحة سواء شخصية أو تجارية لكن خلال الأيام القليلة الماضية انتشر عبر منصة الإنستغرام و أكس (تويتر سابقا) تصريحات من خبراء التكنولوجيا و السوشيال ميديا تحت عنوان “أسرار الخوارزميات” ، “ تعلم كيف تتعامل مع الخوارزميات”، و “ خوارزميات خطيرة لا تصدق” ربما تختلف العنوانين لمقدمي المحتوى ولكن الهدف واحد وهو كشف المستور عن الخوارزميات وكيفية التحكم والسيطرة في المستخدم، والحالة تبدو استياء واعتراض واضح من هؤلاء الخبراء جراء ما يحدث من تغييرات دائمة في عمل الخوارزميات ودورها الخفي في تغيير مسار السوشيال ميديا.
حيث تكافئ الخوارزميات المحتوى المتوافق مع توجهاتها وتخفي ما تعتبره “ غير مناسب، مما يخلق نظاماً غير مرئي من الثواب والعقاب. وبهذا يعاد تشكيل سلوك المستخدمين ليتماشى مع معايير المنصة، لا مع قناعتهم الذاتية.
وهذه بعض بنود تأديب الخوارزميات للمستخدم على منصة الإنستغرام والتي تعد مراقبة بشكل واضح من خلال السلوك الخوارزمي وانتهاك الصحة العقلية والنفسية والجسدية لأى إنسان طبيعي.
إنستغرام لا يقيم فقط جودة المنشور بل يراقب السلوك بعد النشر. فإذا تصرف المستخدم (الناشر) بطريقة خاملة بعد النشر فهو بذلك يرسل إشارة للخوارزميات بعد الاهتمام وهنا يتم العقاب بخفض توزيع المنشور فورا على رواد المنصة وربما حجبه. ومن أمثلة تعرض منشورات المستخدم للعقوبة ( النشر ومغادرة التطبيق فوراً، عدم الرد على أول تعليقات المنشور، لا تنشر ستوري يدعم المنشور، لا تحفز أي تفاعل أو نشاط بعد النشر).
إنستغرام يختبر المنشور أول 60 دقيقة على عينة من جمهور المستخدم (الناشر صاحب المحتوى). فإذا شعر ان صاحب المحتوى غير نشط فلا جدوى من توسيعه لبقية المتابعين. باختصار خوارزمية الإنستغرام تطالب الناشر أو المستخدم ان يظل على التطبيق لمدة ساعة بعد النشر والتفاعل مع منشوره ومنشورات رواد المنصة أي حالة إثبات حضور نشط بجانب نشر ستوري يدعم المنشور والرد على أول 3–5 تعليقات بسرعة.
المنشورات الجديدة قد تقتل القديمة. إنستغرام يعتمد نظام النافذة الزمنية المتزاحمة. كل منشور جديد يدخل منافسة مباشرة مع المنشورات السابقة ، النشر العشوائي يساوى دفن المنشورات قبل ان تكتمل دورتها. و دورة المنشور هي أول 3–8 ساعات من النشر وتسمي مرحلة “ الاختبار الذكي” التي تحدد مصير المنشور. حيث ان نشر أي محتوى آخر خلال هذه الفترة يساوى سحب الأضواء منه بدون أن يشعر المستخدم (الناشر صاحب المحتوى).
وفى حالة التوقف عن النشر لمدة 48 ساعة فالخوارزميات تعيد النظر في المنشور من جديد ويضعه على مسار المكافأة وتوسيع نطاقه لاحقا.
الخوارزميات تعاقب على المنشورات المتعددة الضعيفة بمعنى إذا نشر أكثر من 3 منشورات متتالية وكان التفاعل من الجمهور ضعيف فهنا تدخل في نمط خوارزمي يعاقب فيه الحساب دون إشعار مسبق.
والجدير بالذكر ان الفيديو القصير (الرييل أو الريلز) أصبح ملاذ رواد المنصة لما يتمتع به من مميزات لكن هذه المقاطع القصيرة يتم حصاد نشرها بعد مرور 12 ساعة وإذا لم يحصل المستخدم على تفاعل تقوم الخوارزميات بدخول الريلز مرحلة التراجع وينتهى من الظهور لأى متابع. وينطبق نفس المبدأ مع الاستوري ولكن بعد مرور 6 ساعات فاذا لم يتم تفاعل معها يتم حجبها عن المتابعين وتسبب تراجع في الحساب.
أما في حالة النشر اليومي ولم يحقق حفظ منشور أو زيارة البروفيل أو المشاركة أو إعجاب ويكون المنشور بنفس النمط والشكل فهنا رسميا الحساب دخل في دوامة خوارزمية مميتة يتم فيها توقف تام للريلز وتفقد الاستوري أولويتها وتعرض بعد مرور 6 ساعات من نشرها ويصنف الحساب “ كحساب مكرر” غير نشط وهنا تأكيد على ان عملية الاستمرارية التي كان يروج لها دائما هي وهم كبير لان الاستمرارية الغير مدروسة وبدون علم بالخوارزميات هي خسارة مؤكدة للحساب.
ومن إشارات التضليل التي يرسلها المستخدم للخوارزميات هو عمل حفظ المنشور بعد النشر فتقوم الخوارزميات بحجب المنشور فهي تعد حركة تفاعل خارج سياق النمط الخوارزمي والمعايير المجتمعية.
إنستغرام يحفظ الترتيب البصري لأسلوب المستخدم ( الناشر صاحب المحتوى) .. وتختبر استجابته في حالة تغيره. حيث تعد كل زاوية تصوير، وحركة يد، خلفية لون، وحتى نغمة الصوت تخزن ضمن الملف الخوارزمي للمستخدم. وإذا تغير فجأة يتم تصنيفه كسلوك “ خروج عن النمط البصري” ويختبر المنشور كما لو المنشور لمستخدم جديد.
الجدير بالذكر مشاهدة مقاطع الريلز بصمت (كتم الصوت) أو ( مشاهدة سريعة) تفهم للخوارزميات كمؤشر ملل أو عدم حاجة حقيقية للفيديو ويتم خفض توزيع نطاق المشاهدة. فتخيل كم من مشاهد يمكنه فعل هذه الحركة ويشاهد محتوى بصمت أو سرعة فيتسبب في تدمير الصفحة.
أما عن معنى النجاح بمفهوم الخوارزميات تعنى مصدر المحتوى وبناء ثقه فيه والانطباع الأول عنه والتفاعل مع المحتوى يكون طبيعي ليس مدفوعاً أو مزيفاً وغير ممول والجمهور المتفاعل يكون ذو حسابات حقيقية، ولذلك بعد أول 3 منشورات تحقق نجاح كبير فهي تراقب بأعلى حساسية وإذا لم يكن باقي المحتوى على نفس المستوى تفسره الخوارزميات بفقدان الزخم ويتم تجميد فرص الوصول لدوائر جديدة.
ويأتي دور الصفحات التجارية أصحاب مبدأ السعر على الخاص أو في التعليقات أو بعض الصفحات يطلبون من المستخدم كتابة كلمة معينة في تعليق للتواصل فهي تعد دفن الحساب على الطريقة الخوارزمية … هؤلاء على اعتقاد بان هذا التفاعل هو نجاح للحساب ونشر المحتوى ولكن بمفهوم الخوارزميات هو عملية تضليل مجتمعية ويعتبر محتوى فاقد الوضوح ويحجب المنشور من التوسع دون إشعار. وفى تقديري الشخصي هذا أفضل عقاب خوارزمي لمثل هذه النوعية من الصفحات وأساليب البيع والتسويق الرقمي. بل تعد نجاة
وعلى نفس النهج هو المبالغة في عدد مرات عمليات المشاركة للمنشور الواحد فهي تساهم في القضاء على الحساب ودخوله في نمط الخوارزميات المميتة.
أما عن أنظمة إنستغرام المتقدمة هناك ما يعرف بمؤشر كفاءة المحتوى وهنا المقصود هو مقياس داخلي يقيس كم من التفاعل الحقيقي يولده كل منشور مقارنة بحجم النشر الكلى. وهو معنى بعيد كل البعد عن تعريفنا كمستخدمين لكفاءة المحتوى التي تعنى طبيعة ونوع المحتوى من حيث المادة المقدمة. وهنا هي الضربة القاتلة للمستخدم سوء فهم المصطلحات وعدم الالمام بطبيعة التعامل مع العالم الرقمي والتكنولوجيا في عصر الذكاء الاصطناعي.
وبناءان على كل ما سبق ذكره ولم يذكر بعد فنحن هنا أمام خطر السيطرة الناعمة فهي لا تكمن في المنع الصريح، بل في التوجيه غير المباشر الذي تمارسه الخوارزميات باسم “الحيادية”. هذه السيطرة الناعمة تُعيد هندسة خياراتنا دون أن ننتبه، فتجعل الطاعة تبدو اختيارًا شخصيًا.
بالإضافة الى التأثيرات النفسية والاجتماعية التي تخلق هذه الآليات شعورًا دائمًا بالمراقبة والتقييم، مما يدفع المستخدم إلى تعديل سلوكه سلفًا تجنبًا للعقوبة الرقمية. ومع الوقت، تتآكل الحرية الداخلية لحساب صورة “مرضية” ترضي خوارزميات التفاعل.
وأخيرا وليس أخرا في عصر خوارزميات السلطة الناعمة، لم نعد فقط ننتج المحتوى، بل نُعاد تشكيلنا عبره. من الضروري استعادة الوعي بأن المنصات لا تعكس فقط ما نريد، بل تُملي علينا — بلطف — ما ينبغي أن نكونه.