الايام المصرية
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى

"آفة من الآفات" التي أفرزتها البيئة الاتصالية الرقمية وتحولاتها الأخلاقية والمهنية، والتي انتشرت -كانتشار النار فى الهشيم - بين الإعلاميين والصحفيين فى واقع بائس يحتاج إلي الكثير من الضبط ووضع الأمور فى نصابها الصحيح.
"ظاهرة خطيرة" ارتبطت بالمحتوي الرائج والسعي الحثيث للقفز عاليا فوق كل اعتبار، وتصدر الترند لحصد الكثير والكثير من المشاهدات والتعليقات.
"ظاهرة مستحدثة" لم ترحم مريضا يئن من الألم وهو في مرقده، وكاد أن يفارق الحياة ويلفظ أنفاسه الأخيرة، وما ذلك إلا لالتقاط صورة تنتشر عبر الصفحات، ويتناقلها الجميع فى الصولات والجولات.

"ظاهرة ملفتة للنظر" تجد صداها في المناسبات الخاصة للبحث عن مشهد غير مألوف، أو كلمة منزوعة من سياقها، أو موقف غريب مستهجن ليكثر الكلام والجدال، وتتحول الأمور إلي ساحة للسخرية والتندر والتهكم والخوض في الإعراض وادعاء المثالية.

" آفة ملعونة" لا ترعي للميت حرمة، ولا يعرف صاحبها فداحة جرمه، تبحث فيما هو بعيد كل البعد عن الإطار العام لتحدث ضررا بالغا بالمكلومين والمكروبين الذين ينتظرون المواساة في فقد عزيز لديهم.

"ظاهرة مؤسفة" لا تعرف لدور العبادة قدسية فتبحث عن لقطة غريبة أو صورة تلقائية عجيبة تؤجج الفتنة بين الناس، وتؤثر سلبا في صورة القدوة الحسنة التي يقتفي الناس أثرها.

هذه " الآفة" لم تترك عالما، ولا فقيها، ولا رجل أعمال ، أو رياضي شهير، أو إعلامي قدير إلا وجعلته وسيلة للوصول للغاية الكبري لأنصاف الصحفيين والإعلاميين ومعدومي المهنية، ومفتقدي القيم المجتمعية والأخلاقية، وهي "المغنم الشخصي" جراء الذيوع والانتشار وتصدر محركات البحث عبر شبكة الإنترنت.

إنها "الظاهرة الكبري" التي لا يعرف أصحابها "الخصوصية" و"حرمة الحياة الشخصية" التي لا ينبغي بحال من الأحوال أن يتدخل الناس فيها دون إذن من صاحبها، وهى "ظاهرة" أدت إلى نشر الكذب، والزيف، والشائعات المغرضة، والمعلومات الكاذبة التي أشعلت النيران، وأفقدت الأسرة الأمان والاطمئنان، وزرعت الشكوك بين الأهل والأحباب والأصحاب والجيران.

إنها "الظاهرة الأبرز" التي تعتمد على "سرقة اللقطة" دونما وازع من ضمير، كاللص الذي يترصد فريسته ليغتنم اللحظة المناسبة لتجريدها من ممتلكاتها وأموالها وضيعاتها وهى في غفلة من أمرها.

ولا أبالغ إن قلت أن تأثير هذه "الظاهرة" لا يقتصر على أصحاب اللقطة أو الكلمة العابرة أو المشهد التلقائي ، فإذا كانت هذه "الظاهرة" تؤثر بشكل كبير على صورة الأفراد لدي الجمهور، فإنها تفت في عضد المجتمع، وتشوه القدوة، وتغيب وازع الضمير لدى الجماهير، وتزلزل أركان المجتمع، وأمنه الفكري، واستقراره المجتمعي.

لقد أخذنا هذا "الجنون الافتراضي" إلي غياهب التضليل، وإلباس الباطل ثوب الحقيقية، والبعد عن الرسالة السامية للعمل المهني الذي يدعم الأخلاق والقيم الفاضلة، ويحترم حرية الأفراد وخصوصيتهم، بعيدا عن كشف الأستار، ورصد الذلات، والتركيز على العثرات، ونشر الرذائل وهتك الحرمات دون اعتبار.

ولم تعد هذه "الظاهرة" مقتصرة على الإعلاميين والصحفيين بعدما بزغ نجم "الجمهور" كصانع المحتوي الرقمي ليشارك هو الآخر فى انتهاك حرية غيره بحثا عن الغريب من المواقف، وغير المألوف من المشاهد لنشرها على مواقع التواصل الاجتماعي أملا في شهرة زائفة وتصدر للأعلي مشاهدة بين المحتويات الضخمة التي قضت مضاجع الأسرة، ونزعت عنها قدسيتها، وتسللت داخل أروقة بناياتها لنشر الغريب والعجيب الذي يبحث عنه أصحاب الضمائر الخربة والذمم الفاسدة، وتجريف المجتمع من مرتكزاته الأخلاقية وثوابته القيمية.

ليتنا نتخلص من "جنون التريند" ونعيد للواقع الإعلامى مكانته.. ليتنا نعيد للمسئولية الاجتماعية قوتها وحصانتها.. ليتنا نلتزم بمواثيق الشرف ومدونات السلوك المهنية، ونساعد المؤسسات للخروج من محنتها.

لابد لنا من وقفة لنعيد للمشهد الإعلامى انضباطه.. لابد لنا من قواعد ملزمة وخطوات حازمة لنستعيد خصوصينا التى أصبحت كلأ مباحا للجميع، لابد لنا من عودة قبل أن يجرفنا تيار الشهرة والانتشار، ونغوص فى أعماق التيه وظلمات الواقع الافتراضي وحينئذ لا نستطيع العودة من هذا الطريق الطويل.

تم نسخ الرابط