في زمن تصدر فيه التريندات المشهد الثقافي والنفسي، اجتاحت دمية “لابوبو” الساحة كرمز ليس فقط للموضة أو الهوس، بل لاضطراب أعمق في الوعي الجمعي.
في الجزء الأول من هذا الملف تحت عنوان ( “ اللابوبو” دمية شاهد على اضطراب جيل الميديا) نشر هنا على موقع الايام المصرية بتاريخ 10 مايو 2025، كشفنا فيه كيف تحولت دمية بلا معايير جمالية تُذكر إلى مرآة تعكس هوس المشاهير واضطراب جيل الميديا، حيث يلتبس اللعب بالرمزية، ويُصبح التعلق بدمية فعلًا مشحونًا بالوحدة، والعزلة، والفراغ. تناولنا كيف لعبت الميديا الرقمية والمشاهير دورًا محوريًا في تضخيم هذه الظاهرة، لتتحول “لابوبو” من دمية بسعر 13 دولارًا إلى سلعة نادرة تُباع بما يقارب 90 دولارًا، حاملة معها موجة من التلوث البصري والنفسي تحت لافتة “العصرية”.
وفي هذا الجزء الجديد وعلى ضوء تطور أحداث اللابوبو عبر صفحات التواصل الاجتماعي والاخبار الاقتصادية عالميا في عالم يتغير بسرعة، حيث تتحول الأشياء البسيطة الصغيرة النكرة إلى رموز استثمارية، ظهرت دمية “لابوبو” كظاهرة استثمار جديدة. ما بدأ كلعبة (مقززة) ، أصبح اليوم حديث الأسواق والمستثمرين.ننتقل من تحليل البعد النفسي والثقافي إلى سؤال أكثر استفزازًا:هل الاستثمار في دمية مثل لابوبو يعد تفكيرًا عبقريًا خارج الصندوق، أم دليلًا صريحًا على عقول باتت مخوخة وسهلة التوجيه؟.
وقبل الاجابة على هذا السؤال السالف ذكره علينا إلقاء نظرة صغيرة على بيانات السوق والأسعار حول الاستثمار في ألعاب الأطفال وبالتحديد (الدمي). ففي مؤشرات السوق العالمية فبراير 2025 عبر statista.com حول السوق المصري : من المتوقع أن تصل إيرادات سوق الدمى واللعب المحشوة في مصر إلى حوالي 65 مليون دولار أمريكي في عام 2025، مع معدل نمو سنوي قدره 5.16% بين عامي 2025 و2029.
أما السوق العالمي: بلغت قيمة سوق الدمى القابلة للجمع عالميًا حوالي 7.26 مليار دولار أمريكي في عام 2023، ومن المتوقع أن تصل إلى 12.88 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2032، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 6.58%.
وبناء على مؤشرات سوق المال والاعمال والاستثمار عالميا يتضح مدى أهمية فكرة صناعة وتجارة وتسويق الدمى للمجتمعات ذات الأصول الثقافية الاصيلة ومع معدل زيادة ارتفاع عدد السكان حول العالم والتوسع الجغرافي والسياحة بما تشمل السياحة والتسويق الرقمي تعد الدمي ملاذ السائح كهدايا تذكارية خاصة اذا كانت دمية ذات أصول ثقافية أصيلة تخلد ذكرى موروث ثقافي شعبي أو قصة وحكاية شخصية، ورغم التطور لفكرة الدمى وما ألتحق بها من مؤثرات صوتية بإضافة موسيقي ونغمات وأصوات ومنها تقليد الصوت مع الحركة و الضوء بالإضافة إلى الإكسسوارات و ملابس وأحذية وخضوعها لأحدث صيحات الموضة مثل دمية أو عروسة (باربي) اصدار أمريكا عام 1959 وسعرها يتراوح بين 500 الى 1.500 جنيه مصري والتي خرجت من دنيا الكرتون وديزني الى عالم السينما والواقع ثم هوس التجميل للسيدات في الملامح والجسم وقد سبق تناولت هذا الامر في مقال حول باربي تحت عنوان ( من دمية إلى انتهاك الأنثى … وليس لدينا لجنة حقوق “ باربي”) نشر في جريدة القاهرة العدد 1203 الموافق 8 أغسطس 2023 وكان بدورها زاد انفاق ألاف الدولارات على عمليات التجميل و التحول الجنسي حول العالم. وفيما يلى نماذج أخري من الدمي وأسعارها بالجنيه المصري
دمية ماتريوشا Matryoshka روسية المصدر عام 1890 وهى دمية خشبية متداخلة ترمز الى الاسرة والتقاليد الروسية وسعرها يتراوح بين 200 الى 1.000 جنيه مصري.
دمية تى دى Teddy Bear اصدار 1902 وهى عبارة عن دبدوب يتراوح سعرها بين 400 الى 2.396 جنيه مصري.
دمية كين Ken إصدار أمريكي عام 1961 وهى الشريك الذكوري لباربي ويمثل النموذج الذكوري في الثقافة الامريكية ويتراوح السعر بين 500 الى 1.200 حسب الاصدار.
دمية كوكشيKokeshi اليابانية وهى صنعت في القرن التاسع عشر عبارة عن دمية خشبية يابانية تقليدية تعبر عن الفولكلور والروحانية والسعر يتراوح بين 300 الى 800 حسب الحجم.
دمية بل ايموبيل Playmobil ألمانية المصدر عام 1974 وهى دمية تستخدم في التعليم واللعب التفاعلي تتراوح سعرها بين 400 الى 1.200 جنيه مصري.
دمي براتز Bratz أمريكا المصدر عام 2001 وهى تعكس ثقافة المراهقة والموضة واثارت جدلا حول المظهر المبالغ فيه وسعرها ما يقرب من 3.999 جنيه مصري وتتوفر على المتاجر الرقمية وأشهرها أمازون.
دمي أميركيان غيرل American Girl وصدرت في أمريكا عام 1986 وهنا كل دمية لها قصة وسياق تاريخي تهدف الى تعليم الفتيات التاريخ والتنوع الثقافي ويتراوح سعرها بين 2.000 الى 4.000 جنيه مصري حسب الاصدار والاكسسوارات.
دمية فوربي Furby إصدار أمريكا عام 1998 وهى دمية إلكترونية تفاعلية أثارت إعجاب الأطفال بسبب تقنيات التفاعل وسعرها يتراوح بين 1.500 الى 3.000 جنيه مصري حسب الاصدار.
وعن دمية لول سيربرايز Lol Surprise وهى تعرف بالدمية العالمية كمسمي تسويقي وصدرت عام 2016 وتتراوح سعرها بين 439 الى 4.400 جنيه مصري حسب الاصدار.
أما عن دمية موضوعنا وهى “ اللابوبو” نبدأ بالحيل التسويقية المتبعة التي ساهمت في زيادة سعرها واستخدامها كأداة استثمار، الحيلة الاولى وهى ان كل اصدار جديد يأتي بكمية محدودة جداً تكاد تكون قليلة مما يجعلها في حالة ندرة وهنا يكون التسويق على محبي اقتناء الأشياء النادرة ، والحيلة الثانية يأتي كل إصدار بشكل وهيئة جديدة من حيث اللون والحجم والتصميم في الازياء والإكسسوارات والملامح التعبيرية على ان تحمل نفس سماتها البشعة في التصميم من العيون الكبيرة والأسنان الوحشية مما يدفع المقتنى الى اقتناء كل إصدار جديد لتكوين المجموعة كاملة بمختلف الشكل والحجم واللون كنوع من اكتمال القصة للدمية، أما عن الحيلة الثالثة والاخيرة وهى التسويق من خلال الغموض واللعب عن المفاجأة وهى شراء الاصدار أو الدمية فى علبة مغلقة غير معروف الشكل وهنا يأتي رد فعل المشترى من حصوله على مفاجأة سارة أو تعيسة أو بمعنى أدق حيلة قائمة على الحظ وبعض المواقع الاخبارية وصفت هذه الحيلة التسويقية بلعبة القمار فهي أشبه بالمجازفة بالمال والحصول على نتائج غير مؤكدة من خلال اليانصيب.
ومن هنا نبدأ نجيب على السؤال السالف في أول المقال وهو هل الاستثمار في دمية مثل لابوبو يعد تفكيرًا عبقريًا خارج الصندوق، أم دليلًا صريحًا على عقول باتت مخوخة وسهلة التوجيه؟.
بعد وصول دمية اللابوبو الى الألاف الدولارات بسبب الغموض ، الاثارة ،التشويق ،الحظ وحب امتلاك الندرة بدأ محبي الدمية في عمليات تبادل اللابوبو عبر المنصات الرقمية لتجميع المجموعة كاملة والشراء لأعلى سعر يقدم للبائع، مما ساهم في انشاء منصات خاصة للاستثمار تجمع عدد من مقتنى اللابوبو و دفع البعض منهم الى حد الهوس لشراء كميات بأسماء مستعارة على منصات الاستثمار للتربح منها بأعلى سعر حتى وصل اليوم سعر دمية اللابوبو سلسلة المفاتيح الصغيرة الى 63.56 درهم إماراتي (ما يعادل تقريبًا 540 جنيه مصري)، وعن لابوبو الصغيرة مقاس 40 سم يتراوح بين 149.57 إلى 852.50 درهم إماراتي (ما يعادل تقريبًا 1,270 إلى 7,250 جنيه مصري)، حسب الكمية والمورد. وعن اللابوبو الكبيرة وصل سعرها بين 3.000 الى 5.000 دولار.
وذلك سعر المتاجر الرقمية وليس متاجر الاستثمار.
من الآراء عبر المنصات أعربت ان يعتمد تقييم هذا النوع من الاستثمارات على منظور الفرد وأهدافه المالية. قد تكون دمية “لابوبو” فرصة استثمارية فريدة تجمع بين الشغف والربح، أما بالنسبة للآخرين يرونها مجرد موضة عابرة لا تستحق الاهتمام.
و آخرون أوضحوا أنه لا يمكن إنكار أن هذه الظاهرة تعكس تغيرًا في مفاهيم الاستثمار التقليدية، وتفتح الباب أمام أشكال جديدة من الأصول البديلة.
أما في تقديري الشخصي وبموجب رد فعل الكثير من رواد منصات العالم الافتراضي السوشيال ميديا ومنهم خبراء في مجال التجارة والاقتصاد أصحاب العقول الراجحة العاقلة الحكيمة المتزنة نفسيا نتفق ان هذا العبث سوف ينتهى بنهاية مأساوية لأصحابها، هذا النوع من الاستثمار شكلا فقط فهو أداة ربحية مؤقتة خالية من قواعد الاستثمار من مبادئ توجيهية تساعد الفرد المستثمر على اتخاذ قرارات مالية ذكية ومتزنة كتحديد الهدف ومدة الاستثمار وفهم نوع وطبيعة المادة المستثمرة ، التنوع في تقليل المخاطر وتوزيع الاصول والادوات في اسواق مختلفة وتجنب اتباع نهج وضع البيض كله في سلة واحدة، تجنب العواطف والاستثمار بدافع الطمع أو التحصيل والتجميع أو الخوف أو الحب والتعلق، الاستثمار قائم على المنطق والتحليل وتطوير المهارات والعائد في الاصول على المدى الطويل.
وكل ذلك هو عكس ما يحدث فعليا مع هذه الدمية لأنها لعبة “ يانصيب” لا أكثر ولا أقل. لعبة هادمة للقيم والجماليات والنفس، غياب تام لقيمة المال وكيفية إدارته، أتوقع في القريب العاجل حدوث جرائم قتل أو انتحار بسبب اللابوبو، هذا لم يكن تشاؤم ولكن التاريخ دائما يعيد نفسه.وللحديث بقية نتابع معكم كل جديد في سوق الميديا.